abbasbusafwan@gmail.com

سايكس بيكو ديمغرافي يعيد تشكيل البحرين يترافق مع تقسميات جديدة للخريطة العربية

صحيح أن البحرين، بحكم صغر حجمها، لا يمكن تصور، أن يطالها التقسيم، بمعناه القانوني، بيد أنها قيد التشكل على نمط مختلف، قوامه الديمغرافيا (السكان)، في وقت أطيح فيه باتفاقية “سايكس سبيكو”، ويعاد تقسيم العديد من الدول العربية وفق أسس مذهبية/ دينية، أو عرقية، أو قومية.

واضح، إذا، أن خارطة عربية جديدة قيد التشكل. وقد تم بالفعل تقسيم السودان إلى سودان عربي مسلم، في الشمال، وآخر أفريقي مسيحي في الجنواب. أما الصومال فكانت السباقة في ولوج حروب التقسيم، انتهت إلى أكثر من صومال.

وقد كسرت التنظميات المسلحة، التي كانت ـ حتى وقت قريب ولا يزال بعضها ـ مدعوما خليجيا وغربيا، كسرت الحدود بين سوريا والعراق، وبات تنظيم “داعش” الإرهابي يحتل مساحات شاسعة من البلدين، اللذين شكلا تاريخيا، إلى جانب مصر، الأعمدة الأهم في المنطقة العربية.

إن جزء كبيرا من الحرب الدائرة في العراق يرمي في حقيقته لتثبيت حدود المناطق التي سيتم منحها لكل من الشيعة والسنة والأكراد، في أي كونفدرالية أو فيدرالية مرتقب إعلانها رسميا، أو تبلورها واقعا على الأراض.

الحال نفسه يمكن أن يقال عن سوريا، في ظل أحاديث غربية عن منح الأكراد حكما ذاتيا في الشمال، على غرار أكراد العراق، فيما حدود المنطقتين السنية والعلوية، مازالت قيد التبلور، وترسم بالدم السوري الغزير.

في ليبيا، الحديث علني عن دولة اتحادية مكونة من عدة وحدات، تتمتع كل منها بحكم ذاتي، أو تكون كانتونا شبه مستقل. وتتحارب في هذه الدولة، الغنية بالنفط، حكومتان وبرلمانان، يتلقيان مددا من الخارج، ولن تنتهي غبرة هذه الحرب الشرسة إلا وليبيا باتت أكثر من دولة على الأرض.

وأعتقد، أن البحرين لن تكون استثناء من إعادة التشكيل التي تطال الخريطة العربية برمتها تقريبا. لكن الأسس التي يتم من خلال إعادة رسم هوية البحرين تقوم على إعادة بناء ديمغرافية هذه الجزيرة، المعروفة تاريخيا بوجود أغلبية عربية شيعية، يراد كسرها، ويتكفل التجنيس السياسي بإحداث ذلك.

ويقدر عدد المجنسين بأكثر من 20 في المئة من السكان، وهذا يعني أن السنة الأصليين ربما يكون في حدود 25%، إذا افترضنا أن الشيعة في حدود 65%، بعد أن أن كانوا حوالي 75% مطلع السبعينات.

وإذا استمرت هذه الوتيرة من عمليات التجنيس، فإن البحرين المرتقبة ستكون بأغلبية عربية، وأقلية غير عربية مؤثرة، فيما يكاد يتضاءل نسبة السنة الأصليين، لحساب السنة الجدد، ويخسر الشيعة العرب كونهم أغلبية مؤكدة.

وتجري عملية إعادة التشكيل السكاني في البحرين بغطاء غربي وعربي وخليجي واضح، أشبه بـ “وعد بلفور” دولي للعائلة الحاكمة لتقوم بالتغيير السكاني الساحق في البلاد، إذا لا يمكن لتغيير سكاني أن يتم في وضح النهار دون موافقة أو ضوء أخضر من قوى الغرب والعرب والخليج. (وعد بلفور هو الاسم الشائع المطلق على الرسالة التي أرسلها آرثر جيمس بلفور بتاريخ 2 نوفمبر1917 إلى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد يشير فيها إلى تأييد الحكومة البريطانية لإنشاء وطن قومي لليهود (إسرائيل) في فلسطين. وحين صدر الوعد المشئوم كان تعداد اليهود في فلسطين لا يزيد عن 5% من مجموع عدد السكان. المرجع: ويكيبيديا. وأنظر أيضا مقالي: ‏النموذج الإسرائيلي في البحرين ‎‪‬‏، ومقالي: ‏القنبلة النووية الخليفية ‎‪‬‏)

ويمكن ملاحظة أن في العراق وسوريا، يتم أمران: 1. تهجير الشيعة من مناطق السنة، والعكس، 2. وخلق مناطق خالصة للشيعة (أو العلويين في سوريا)، وأخرى للسنة، وثالثة للأكراد.

في البحرين، لا يسمح الوضع ــ أو لا يحتاج ــ إلى تهجير الشيعة، كما تم تهجير الفلسطينيين مثلا. وإن كان يتم فعليا تهجير الشيعة، أو دفعهم للهجرة، بالآلاف، لكن يصعب لفت أنظار العالم إلى ذلك، في ظل تهجير الملايين من سوريا والعراق. لكن بالنظر إلى عدد السكان المنخفض في البحرين، فإنه يبدو، مثلا، أن رقم 3 آلاف معتقل سياسي كبير جدا، أي معتقل واحد من بين كل 200 مواطن، على اعتبار أن عدد المواطنين (سنة وشيعة) يبلغ نحو 600 ألف مواطن، ولو تم مقارنة ذلك ببريطانيا، التي يبلغ عدد سكانها نحو 60 مليون، فإن اعتقال مواطن واحد من بين كل 200 بريطاني، يعني أن عدد المعتقلين السياسيين في المملكة المتحدة يفترض أن يكون في حدود 300 ألف، وهو رقم غير متصور. ومع ذلك لا يتم رصد حالات الهجرة الشيعية المتزايدة من البحرين، ويصعب لفت الأنظار إليها.

ولا يستدعي إعادة تشكيل الديمغرافيا في البحرين تهجير الشيعة من مناطق السنة، والعكس. فالشيعة يتركزون أصلا في مناطق محددة، صحيح أنها متداخلة في بعض الحالات مع مناطق السنة، لكن يمكن عزلها بمجموعة من الإجراءات والخطوات، مثل رسم حدود المحافظات، والدوائر الانتخابية (البديع المحاذية للدراز يتم الحاقها بالجسرة، وقلالي المحاذية لسماهيج يتم الحاقها بالمحرق!)، إضافة إلى توزيع الخدمات مثل المدارس والمراكز الصحية، بحيث تكون لكل طائفة مدارسها ومراكزها.. مما يساهم في عزلة الشيعة عن السنة، وزيادة الفرز الطائفي، الذي يتغذى أصلا على سياسات شاملة، يتبناها النظام اقتصاديا وسياسيا وإعلاميا.

المنطقة العربية تعيش مخاضا عسيرا، والخرائط الجديدة قيد الرسم والتنفيذ، وهي لا تستثني البحرين.

وبينما يأخذ آل خليفة التحدي الشيعي والمعارض بكامل الجدية، فيستدعون قوات من الجوار الخليجي والحلفاء الغريبيين، يبدو الشيعة والمعارضة في حالة ذهول!

المصدر: سايكس بيكو ديمغرافي يعيد تشكيل البحرين يترافق مع تقسميات جديدة للخريطة العربية

انشر وشارك

مقالات ذات صلة